
هذان مثلان، ضربهما الله لأعمال الكفار في بطلانها وذهابها سدى وتحسر عامليها منها فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بربهم وكذبوا رسله أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ أي: بقاع، لا شجر فيه ولا نبت.
والثاني: أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة، من دون مضرة بالآذن، قال: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ْ فإذا كان له عذر واستأذن، فإن كان في قعوده وعدم ذهابه مصلحة برأيه، أو شجاعته، ونحو ذلك، لم يأذن له، ومع هذا إذا استأذن، وأذن له بشرطيه، أمر الله رسوله أن يستغفر له، لما عسى أن يكون مقصرا في الاستئذان، ولهذا قال: وَاسْتَغْفِرْ لَهُم اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ْ يغفر لهم الذنوب ويرحمهم، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر.
وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض غزواته، ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق، فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها، فلم يفقدوها، ثم استقل الجيش راحلا، وجاءت مكانهم، وعلمت أنهم إذا فقدوها، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم، وكان صفوان بن المعطل السلمي، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه، قد عرس في أخريات القوم ونام، فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها، فأناخ راحلته، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه، ثم جاء يقود بها بعد ما نزل الجيش في الظهيرة، فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك السفر مجيء صفوان بها في هذه الحال، أشاع ما أشاع، ووشى الحديث، وتلقفته الألسن، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين، وصاروا يتناقلون هذا الكلام، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
رجال لا يلهيهم شراء ولا بيع عن ذكر الله سبحانه، والإتيان بالصلاة على أكمل وجه، وإعطاء الزكاة لمصارفها، يخافون يوم القيامة، ذلك اليوم الذي تتقلب فيه القلوب بين الطمع في النجاة من العذاب والخوف منه، وتتقلّب فيه الأبصار إلى أي ناحية تصير.
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة، وَالَّذِي وظائف تَوَلَّى كِبْرَهُ أي: معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أبي بن سلول -لعنه الله- لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار.
ثم في شهادته الخامسة يزيد الدعاء على نفسه باستحقاق اللعنة إن كان كاذبًا فيما رماها به.
ثم ذكرهم بعلمه بأعمالهم، ليجتهدوا في حفظ أنفسهم من المحرمات.
أفي قلوب هؤلاء مرض لازم لها، أم شكّوا في أنه رسول الله، أم يخافون أن يجور الله عليهم ورسوله في الحكم؟ ليس ذلك لشيء مما ذُكر، بل لعلة في أنفسهم بسبب إعراضهم عن حكمه وعنادهم له.
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ حصر الفلاح فيهم، لأن الفلاح: الفوز بالمطلوب، والنجاة من المكروه، ولا يفلح إلا من حكم الله ورسوله، وأطاع الله ورسوله.
أي: ألم تشاهد ببصرك، عظيم قدرة الله، وكيف يُزْجِي أي: يسوق سَحَابًا قطعا متفرقة ثُمَّ يُؤَلِّفُ بين تلك القطع، فيجعله سحابا متراكما، مثل الجبال.
هذه سورة أنزلناها، وأوجبنا العمل بأحكامها، وأنزلنا فيها آيات بينات؛ رجاء أن تتذكروا ما فيها من الأحكام فتعملوا به.
وأدّوا تعرّف على المزيد الصلاة على أكمل وجه، وأعطوا زكاة أموالكم، وأطيعوا الرسول بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه؛ رجاء أن تنالوا رحمة الله.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ْ على رميهم بذلك شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ْ بأن لم يقيموا شهداء، على ما رموهم به فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ْ سماها شهادة، لأنها نائبة مناب الشهود، بأن يقول: " أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به ".
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه -الذي لولا لطفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه- نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور، وبه استنارت الجنة.